-A +A
د. رشيد بن حويل البيضاني كاتب سعودي RAlbaidhani@
قيل: «أنت مزيج من الكائنات الحية، واحتمال أن يشمل ذلك وجود مكونات من شخص آخر داخلك»، قاله الصحفي ديفيد روبسون.. وأقول: لسنا مزيجاً من الأشخاص، فلا يمكنك أن تكون شخصاً غير ذاتك، عليك أن تكون أنت أنت بكل حدودك وأخطائك.. إذن؛ كيف تعرف قدراتك الشخصية حتى لا تكون خليطاً مفككاً ومملاً من أفكار الآخرين؟ وكيف ترفد نفسك بنظرياتهم وليس استعارتها؟.

•• •• ••


حين يستعير أحدنا أفكار غيره ليُشْعِر الناس أنه مليء بالفكر؛ لا بد له من التوقف، فلن يستطع المواصلة في سوق الأفكار.. وعندما تسوِّل نفس البعض إلى استعارة فكر الآخرين بلا ضوابط؛ عليه أن يطهِّر أعماقه من ضمير كاتم يستشيط منه البشر.. أما من بداخله وهج صفاء مألوف؛ فيمتلك نسمات لا تجدها إلا في أرواح نقية بيضاء مشرقة كنهار ربيعٍ خصبٍ مشمس.

•• •• ••

بين شخص يلمع مخزونه العلمي بداخله كالنجوم، وآخر لا تزعجه هموم التقاط أفكار الآخرين؛ تبهرك رقة الأول ويحيطك الثاني بالأسى.. وفي منظر ذي المخزون العملي الذي يتابع الناس مساره صاعدين نازلين؛ نسيم يحمل معه فكراً صافياً مُستقى من تجارب الحياة.. لذلك؛ هناك من يجمِّل الحياة بحبور فكري عريض ممتزج باللطف، وهناك من لا يملك خياراً إلا أن يُعجب بأولئك المفكرين.

•• •• ••

في ساعات حزن نشعر بها؛ ننظر إلى مستعيري العقول نظرة لا تحمل توقيراً بقدر ما تحمل تهيباً من أفكارهم البالية.. هؤلاء البشر الجلاميد أمام منضدة الفكر والعلم؛ نتجمد خوفاً من أفكارهم المستعارة، فنذكر الله بحرارة أشد من حرارة المريض بالحمَّى.. تلك القصص الواقعية لمنتحلي شخصية المفكرين؛ تملأ أنفسنا حسرة من إنسان صنع أحزانه بغلق خزائن روحه لطلب العلم، فأين المتعظون؟!.

•• •• ••

وعند كلام الكاتب علي حرب: «الاختلاف هو الأصل في يقظة الوعي وتجدد الفكر وتطور الحياة»؛ تأكيد الطبيعة البشرية لتباين الأفكار.. وأولئك المتفيهقون الوهميون المتطاولون على علوم الآخرين؛ يدقون ناقوس الخطر في وجدانهم، لأنهم غير قادرين على فهم أشمل لاختلاف الفكر.. فإذا استقى الجيل المعاصر من متجر فجوة هؤلاء المتحذلقين الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً؛ لن يمنحوا فقهاء العلم والفكر قدرهم.